الثلاثاء، 18 ديسمبر 2012

رسالة لكل أب وأم

يتمنى كل ولى أمر أن يصبح ابنه أو بنته أحسن إنسان فى الوجود ويتمنى أن يحقق كل ما فشل هو فى تحقيقه ولا يضع فى اعتباره أن ابنه بشر منحه الله سبحانه وتعالى قدرات معينة وحرمه من قدرات وإمكانيات أخرى ؛لأن الله –سبحانه –خالقنا فيعلم الخير لنا والشر وقد أعطى كل واحد منا الخير له ؛فيقول تعالى: " عَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ "(216البقرة )، ويقول ابن القيم :"ما أغلق الله على عبد بابا بحكمة إلا وفتح أمامه بابين برحمة"ولا يدرك الظروف السيئة التى قد تواجه ابنه فى طريقه لتحقيق أمانيه ولا يقتنع بها لأنه لا يشعر بها لأن يده فى الماء لا النار وشتان بين الماء والنار لذا نادراً جدا إن لم يك مستحيلاً أن تجد ولى أمر راضياً عن ابنه وسعيداً به ودائماً تجد كل ولى أمر يقابل ابنه بابن غيره ويشعر نفسه أو يخدع نفسه بأن ابن غيره أفضل من ابنه ويحقر ابنه دائما بأن يخبره بأن فلاناً ابن غيره أفضل منه الأمر الذى يحبط الابن ويجعله يكره أباه .
يجب على الأب ألا يطلب من ابنه شيئاً إلا فى حدود قدراته وألا يعيره بعيوبه التى خلقه الله بها وكم وجدت آباء يعيرون أبناءهم بضعف الجسد .
ومن الآباء من يعنف ابنه فى كل شىء بحجة تعليمه ، وهو يجهل أن القهر يعلمه الكذب ويجعله يكره أباه .
عندما أنجب الأب ابنه فقد أخرجه إلى الدنيا ( دار الحروب ) وواجب عليه أن يقويه لمواجهة هذه الحروب لا أن يشن حرباً أخرى عليه .
ومن الآباء من يحبط ابنه دائماً فى كل شىء ويشعره دائماً بأنه فشل فى كل شىء وكم رأيت أباً يحبط ابنه ويخبره بأنه سيفشل لأنه مدلل ويقول له : " إحنا نفعنا عشان كنا فقراء وكنا بنذاكر على لمبة الجاز " ونرد على هذا القول السخيف الذى يصدر كثيراً من الحمقى بالموقف التالى: قال الباجى لابن حزم : " أنا أعظم منك همة فى طلب العلم ؛ لأنك طلبته وأنت معان عليه فتسهر بمشكاة الذهب وطلبته وأنا أسهر بقنديل السوق " فقال ابن حزم : " هذا الكلام عليك لا لك لأنك إنما طلبت العلم وأنت فى هذه الحال رجاء تبديلها مثل حالى وأنا طلبته فى حال ما تعلمه وما ذكرته فلم أرج به إلا علو القدر العلمى فى الدنيا والآخرة " .
ويجدر بنا أن نذكر أن من أوتى حسن الخلق فلا عليه ما فاته من الدنيا فإذا كان ابنك  فاشلا فى كل شىء ولكن حسن الخلق فهذا يكفى لأن ترضى عنه ؛ لأن حسن الخلق أندر ما فى دنيا الناس ، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق ، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة "(صحيح الترمذى 2003)، ويقول شاعرنا الكبير حافظ إبراهيم :
" فإذا رزقت خليقة محمودة                       فقد اصطفاك مقسم الأرزاق " .
ونذكر أيضاً أن من كان فى نعمة ولم يشكر خرج منها ولم يشعر ؛ فمثلاً من لا يشكر الله على حسن خلق ابنه وظل يتمرد بحجة عيوب ابنه الأخرى فستكون النتيجة زوال هذه النعمة .
فى مشوار تعليم الابن يجب أن يعلم ولى الأمر أن بحر العلم واسع غزير متلاطم الأمواج وملىء بالعقبات وأن خوضه يحتاج إلى مثابرة ونقصد بالمثابرة الصبر على ما يحدث من نتائج سواء أكانت نجاحاً أو إخفاقاً والاستمرار فى العمل الجاد والثقة فى أن الله سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملاً ، لكن للأسف تجد الأب يطلب من ابنه أن يكون الأول على مدرسته أو جامعته وأن يحرز درجة أعلى من فلان ابن فلان دون أن يكون هدفه تحصيل ابنه العلم والاستفادة به فى حياته ولأن يد الأب فى الماء لا النار فإنه لا يشعر بالمساوىء التى تعوق ابنه من تحقيق طلباته المتمثلة فى الحصول على أعلى الدرجات وهذه المساوىء تكمن فى أشياء لا حصر لها مثل سوء التصحيح وسوء نظام المدرسة أو نظام الامتحانات وطبعاً لا يصدق الأب تلك المساوىء لأنه لا يشعر بها ، وعندما تظهر النتيجة ولا يحقق ابنه طلباته يعنفه ويحبطه ويجعله يكره خوض بحر العلم بدلاً من أن يشكر الله على نجاح ابنه ، ويجب على الأب بدلاً من أن يحبط ابنه أن يحمسه لتحقيق أفضل مما حقق ويبحث معه حل المشكلات التى منعت تحقيق هدفه ؛ فخوض بحر العلم يحتاج إلى تحميس وتشجيع لا إحباط وعنف .
وتجد كل أب يتمنى أن يكون ابنه طبيباً أو مهندساً أو يعمل نفس عمله ليكون امتداد له ويحقق ما فشل هو فى تحقيقه لكن خوض بحر العلم يحتاج إلى أن يختار المبحر فيه التخصص الذى يحبه وأن يكون هدفه تحصيل العلم لا الدرجات فقط ، وكل إنسان أعطاه الله قدرات وإمكانيات فى مجال معين تجعله متفوقاً فيه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق